الأربعاء، 2 سبتمبر 2015

الحكواتي . بقلم : المنجي حسين بنخليفة – تونس –

الحكواتي
.
بقلم : المنجي حسين بنخليفة – تونس –
.
في المساء جلس الحكواتي على مصطبته في مقهى الحي العتيق ، أعين مريديه تتصفّح شكله المميّز . طربوشٌ أحمر، عباءةٌ بنيّةٌ ، كوفيةٌ انسدلتْ على كتفيهِ ، سيفُهُ المعروف على طاولةٍ حديديةٍ صغيرةٍ بجانب كأسِ الشاي ...تنَحْنَحَ قبلَ الكلامِ ، تشنَّفَتْ الأذانُ ، اشرأبتْ الأعناقُ، تتبعتْ الأبصارُ حركاتِهِ، قالَ بصوتٍ حزينٍ ، متقطّعٍ ، و ببحّةٍ غير معهودةٍ في صوتِه المرتفعِ :
ــ يا سادة يا كرام ، قصتنا الليلة قصة جديدة ، لم أروها من قبل .
ــ تفضل يا شيخ ...تفضل يا شيخ ...ما اسم هذه القصة ؟
ــ قصتنا الليل ، يا سادة يا كرام ، اسمها " النورسُ و الغرابُ "
تبادل الحضورُ نظرات الاستغراب ، استنكرُوا ...تهامسُوا : لعلّها قصة للأطفال . أو قصة من قصص " كليلة ودمنة "
قال :
ــ يحكى في قديم الزمان ، حينما كان للحيوانات عقل ولسان ، وفصاحة وبيان ، كان غرابٌ أسود اللون ينبش في أكداس القمامة كعادته كلّ صباح ، يترنّم بنعيق يبعث في القلب حزنا . التقى بنورس عاجي اتعبه المسير ، قادم من رحلة البحار البعيدة ، قال له الغرابُ :
ــ يا أيها النورس جميل الريش ، و الشكل ، والمنقار ، أي ريح لعينة رمتك على أكداس القمامة ، من بعد ما كنت على الشواطيء هنيء البال ، بمنظر البحر الجميل ، وبلقمة هنيّة من السمك الطريّ ؟ 
ــ يا أخي الغراب ، للبشر مثل يقول : ما يدفعك على المرّ ، إلاّ ما هو أمرّ منه .
ــ لم أفهم يا أخي النورس قصدك.
ــ ما رأيك أن نتبادل الأماكن ؟ اذهب أنت للبحر ، بمنظره الجميل ، ولقمته الطرية ، و أبقى أنا فوق هذه الأكداس بروائحها الكريهة ، ولقمتها المتعفنة . وستقف بنفسك على ما قلت لك .
فرح الغراب بعرض النورس ، و سافر بعد أن دلّه على طريق البحر .
بعد حين ، عاد الغراب ، شاحب الوجه ، منكسر الخاطر ، ضامر البطن ، تعلوه كآبة . رفع النورس رأسه من أكداس القمامة وقال له :
ــ يا أخي الغراب هل وقفت على ما قلت لك ؟
ــ آآه يا أخي ظننت البحر كما يُحكى لنا ، كلّه خير، وجمال ، وملجأ للفارين من هموم الأرض و ظالميها ، لكن رأيت مالا يتحمله عقل ، وقلب . رأيته يلبس المظلمين أكفانا ، ويزيد المقهورين أحزانا .
احتضن بعضهما ، ونشيج الحزن قد عمّ المكان .
دمعتْ عينا الحكواتي ، وصحت جراح في صدور الحاضرين .
.
2015-09-02

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق