السبت، 19 مارس 2016

عبوات فاسدة.. قصة قصيرة بقلم: (محمد فتحي المقداد)



عبوات فاسدة..

قصة قصيرة
بقلم: (محمد فتحي المقداد)

تحت جُنح الظلام، تسلل المواطن " س " من بيته مُتَخَفّياً، بعد أن بدّل ملابسه بأخرى مخصصة للعمل، أخرجها من مكان ما في غرفة المستودع الخلفية في البيت.
هو موظفٌ منذ خمسة عشر عاماً، مجدٌّ و نشيط، ينال ثقة مديره، وزملائه في الدائرة، صادقٌ أمينٌ، يحوز على حَمْدِ و شُكر المراجعين من المواطنين، لأنه يخدمهم بأمانة وإخلاص، وسهولة، وسلاسة في تعامله معهم، يتحامل على نفسه، ولا يُظهر لهم إلا كل بشاشة، ورضا. 
سلك ولداه الكبار طريقهما إلى الجامعة، بعد اجتيازهما امتحانات الثانوية العامة على التوالي، الأكبر قبل سنيتن من أخيه الأصغر. كبروا وكبرت معهم مسؤولياته المادية، طلباتهم مستمرة لا تتوقف، سَلَفاً أخذ عهداً على نفسه بتعليمهم للدرجات العليا، ليُعوّض فيهم ما نقص عليه من إتمام تعليمه، بسبب الفقر المدقع أيام ذاك، وراتبه لا يفي بالتزاماته. 
أطفئت أنوار البيت، بعد أن نام الجميع، تسلل على رؤوس أصابع قدميْه، أغلق الباب برفق، الطريق خالية، هو يقوم بجمع النفايات القابلة للتدوير كالكرتون، وعبوات المشروبات الغازية الفارغة، فهناك من التجار من يشتريها ويجمعها بكميات كبيرة، ويتم بيعها لإعادة تصنيعها، هذا العمل يدر مربحاً بما يعادل ضعف راتبه. 
*** 
حاوية مليئة والكثير من الأشياء موضوعة بجانبها على الأرض، سوبرماركت كبيرة، في نهاية كل أسبوع تتلف دفعة من البضاعة المنتهية الصلاحية. 
مجموعة من علب الكوكاكولا، و البيبسي، ما زالت مليئة بمشروباتها، غمره سرور داخلي، بأن مهمته لهذه الليلة موفقة، جمع الأغراض، وتركز ذهنه بمكان يجلس فيه لتفريغ محتوياتها من الشراب، وما إن مشى خطوات وهو يحملها، توقفت سيّارة بشكل مفاجئ، يا إلهي من أين جاءت هذه الآن؟، اللعنة، أهذا وقتك الآن؟. 
ترجل منها شرطيان مدججان بسلاحهما، أحدهم، خاطبه: ماذا تفعل هنا في مثل هذه الساعة؟. 
- (س) : أجمع النفايات النافعة، ومن ثم أقوم ببيعها. 
- الشرطي: في مثل هذه الساعة، يتوجب عليك الذهاب معنا للقسم، ليتم التأكد من هويتك، لدينا تعليمات بذلك. 
- (س) : هذه بطاقتي الشخصية، ولك أن تتأكد منها، و إذا أمكن أن لا تأخذوني معكم. 
- الشرطي: نحن الا، سنقوم بكتابة الضبط فوراً، عند وصولنا نسلمك للقسم، وأعتقد أنك لن تتأخر. 
- (س) : آمل أن لا أتأخر. 
- الشرطي الآخر: يضبط الموجودات من العلب الفارغة، يقوم بتسجيلها، ولكنه حمل واحدة للتأكد من تاريخها، المفاجأة أنها منتهية الصلاحية، يخبر زميله بذلك.
- الشرطي: هذه العلب فاسدة لا تصلح للاستعمال الآدمي.
- (س) : نعم، هذا ما ترميه السوبرماركت، ولا تبيعه للناس، وأنا أفرغ محتوياتها، وأبيعها كمعدن ألمنيوم. 
السيارة نهبت الطريق بسرعة كبيرة، حتى أن السائق قطع إشارتين مرور، كانتا تشيران للون الأحمر، تطلع يميناً ويساراً، ولما لم يكن هناك سيارات، لم يتوقف أبداً أو يخفف من سرعته.
***
في القسم، شرطي مناوب النوم على عينيه، يجلس خلف الطاولة، فتح عينيه بصعوبة، وراح يفركهما بيديه، ماذا بكما؟. 
- رئيس الدورية: معنا موقوف، معه عبوات شراب فاسدة. قدم له ورقة الضبط، فوقع عليها زميله المناوب، وانصرف ليتابع نوبة دوريته. 
- الشرطي المناوب: تذكر شيئاً جعله يقف من فوره، ويفتح عينيه بطريقة عجيبة مليئة بالدهشة، مردداً لنفسه: آه عبوات ناسفة..!!، يا إلهي. مشى باتجاه (س)، واقتاده إلى النظارة (غرفة التوقيف)، وأقفلها عليه، من فوره اتصل برئيسه الضابط المناوب في الطابق الأعلى: سيّدي، الدوية جلبت لنا موقوف، متهم بحيازة عبوات ناسفة، أدخلته النظارة، وما تأمر؟.
- الضابط المناوب: من فورك هذا، اكتب ضبط بالحادث، واتصل على فرع الإرهاب، كي يرسلوا سيارة ويستلموه منا، إياك أن تتأخر، الموضوع خطير ولا يحتمل الانتظار حتى الصباح، وبعد انتهاء الضابط، أحضره لي كي أوقعه، و الختم عندك في الديوان. 
عمّان - الأردن 
22 \ 3 \ 2016

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق