يا شامُ عادَ الصيفُ
بقلم: المنجي حسين بنخليفة – تونس -
كلّما مرّ الزمانُ تناثرتْ حولي أجزاء الصور، والذكريات طيور أفزعها صيّادٌ بصراخ فوهة آلته الرّهيبة، لم يعد في البال لذّة حلمي المزهوّ بالأيّام القادمة، كان إذا مرّ تراقص حولي، وبالأغنيات يسمعني نشيده:
"يا شامُ عاد الصيفُ متئدًا وعاد بيَ الجناحُ ** صرخ الحنينُ إليكِ بي: أقلعْ، ونادتني الرياحُ" *
كنت بالحلم الجميل أقتاتُ لذّة الأيّام العابرة، يحملني في الفجر المطلّ كالطير المهاجر جناحُ. أحاول جمع أجزاء الصور، لعلّه ينمو في الروح غصنٌ، من بعد سنوات العجاف، فأطير بجناحي حلمي المستكين، وبصمتِ حنيني.
هل عرفتَ أيّها المِقْصِيّ في أقصى البلاد، هذه الشام طوتْ من كتاب الزمن صفحات للوراء. أنظر، ستسمع أريج الياسمين يدقّ على نوافذ الشرفات، أطلّ الصباح أيّها النوّام، هبّوا على الجمال.
تحملني خطاي لسوق "الحميدية" فأطرب لأجمل سمفونية ، يعزفها الباعة عن نوع، وأسعار البضاعة. و أطوف " بباب مصلى" و "ابن عساكر" حوى باسمه شارع له في القلب أهل علّموا الحبّ أرقى أنواع الهوى، و أيادٍ كالربيع تحمل البشرى، وخيرات وفيرة.
أطوفُ بزمن تصالح مع المكان، أهدى له تحت القباب المرابطة فوق سطوح المساجد مزهرية، في "مزّة" و "برزة" و "المجتهد" و "الصالحية"...
يفزعني صراخ جريدة بين يدي، أيّها الملّاح في بحر خيالك ، هل رأيت؟ فأرى صور تناثرتْ أشلاؤها، الياسمين ذابل على الشرفات، والشرفات حزينة على من كان يسكنها، لا صوت يأذن بالصباح وبالجمال. و العازفون على جمال سمفونيتهم، ضاع صدى صوتهم .
يا بن عساكر هل رأيت من كان يسكن في حماك كيف تفرّق شملهم ! الدّالية المعلّقة بقناديل عناقيدها هل ستثمر من بعدهم !! وخرير نافورة ستعود بعد صمت بالأنين، والدار بعد بذور فرحتها سيقتلها الحنين.
نفر الزمان من المكان، وشموا على صفحة خدّه كل رمز للعداوة، و أشكال الطائفية، يبِسَتْ تحت قباب المساجد ورود المزهرية.
2016-06-11
• البيت للشاعر : سعيد عقل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق